للتواصل

للإتصال وإبداء الملاحظات والتعليقات nstulti@gmail.com

صاحـب البومــــيات: نور الديـن السـيــد الـثــــلــثي


الخميس 7 يوليه 2011

(141) الطريق طويل
سبق أن زرت الإسكندرية على فترات متباعدة، وأنا الآن في زيارة أخرى بعد خمس سنوات وثورة. كنت في هذا اليوم بمحطة الرمل والكورنيش وجامع القائد إبراهيم ومكتبة الإسكندرية. هنا قلب الإسكندرية ورئتاها.. هنا شبابها وثورتها، وليس هناك حيث مجمعات الأسواق الحديثة والأحياء الراقية الجديدة.

"الترام" وسيلة مواصلات مميزة في ’وسط البلد‘، وهي رخيصة.. التذكرة بربع جنيه. وفي استعمال الترام متعة خاصة؛ فيه تختلط بعامة المصريين يتعاملون ببساطة وعفوية.. بذكاء ونكتة مصري لا تغيب عن حديث.

هي بضعة أشهر منذ خُلع الرئيس السابق، والعهد الجديد لا يزال في طور التشكّل. القلق على المستقبل والتذمر من بعض ما هو قائم غير خافيين، والتعبير عنهما يجري بصوت عال.في الترام:
- لم يتغير شيء، قال أحدهم.
- ولكن رؤوس الفساد أطيح بها، قال ثانٍ.
- لم يرحل كل الفاسدين ولم يحاسبوا..
- وسيظهر فاسدون جدد.
- ولكن الثورة لم تكتمل بعد.
- وماذا عن الأمن الذي غاب. حتى أنتم الرجال تخشون الخروج ليلا، قالت إحدى السيدات.


المتابع لأحاديث المصريين يلمس ابتهاجا عاما بالتخلص من الرئيس المخلوع، ويلمس غضباً شديداً لفساد عظيم ونهب لثروات الأمة أديا إلى إفقار الناس وإضعاف البلاد. من يستمع إلى عامة الناس يخلص إلى أن نهب ثروة مصر ربما كان المحرك الرئيسي لثورة 25 يناير، وأن ذلك النهب وحده كان سببا كافياً لقيامها. ويرى أسفا أن الثورة لم تحقق التطلعات بعد، وأن رجال العهد السابق لا يزالون في مواقع التأثير. خلع الدكتاتور شيء، وإحلال نظام جديد محل نظامه شيء آخر.

وهناك الهاجس الأمني. الشرطة وأجهزة الأمن فقدت ثقة الناس نتيجة الممارسات القمعية خلال الأيام الأولى للثورة، ووجدت نفسها في مواجهة سخط شديد ومطالبات بالمحاسبة. انسحبت الشرطة وكفت عن أداء واجباتها بالحزم والمثابرة المعهودتين.. واختل الأمن.
الفساد وغياب الأمن عنوانان عريضان لما يشغل المصريين.. وترقب ما هو قادم.

جماهير من المصريين ترى بطئا شديدا في إحقاق الحق بشأن المسؤولين عن قمع المظاهرات والتسبب في مقتل المئات من شهداء الثورة. وعند المرور ظهراً بالكورنيش أمام جامع إبراهيم كانت استعدادات الشباب قد بدأت للمظاهرات الكبرى التي دعت إليها جماعات المحتجين ليوم الغد.. هم ينصبون الخيام ويثبتون اليفط حاملة مطالبهم وشعاراتهم.. منها:
نحن لا نهدم الوطن.. نحن نصنع الوطن الطاهر من الفساد والمفسدين.
الثورة شباب.. مش إخوان ولا أحزاب.
لا للفساد والقمع من وزارة الداخلية.


في مصر، كما في تونس، خيبةٌ لأمال عريضة ظهرت بـ’انتصار‘ الثورة في البلدين... وكذلك سيكون الأمر في ليبيا، وربما يكون أسوأ نتيجة الفساد الأكبر والخراب الأكبر في البنى الاساسية وفي منظومة القيم والسلوكيات.. ولغياب المؤسسات المجتمعية.. بل هو كذلك منذ الآن في المناطق المحررة...

الحاجة ماسة لإدارة واعية لتوقعات الجماهير.. فالدمار عظيم.. والطريق طويل... طويل جدا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق