للتواصل

للإتصال وإبداء الملاحظات والتعليقات nstulti@gmail.com

صاحـب البومــــيات: نور الديـن السـيــد الـثــــلــثي


الإثنين 14 مارس 2011

(27) ليس قدرا محتوما

يوم السبت بكينا مصورَ الجزيرة على حسن الجابر، واليوم بكينا مهند بن صادق، الشاب الذي قدم من أمريكا حيث يعيش، لكي يشارك في ثورة بلاده ضد الاستبداد. ذهب إلى جبهة القتال في البريقة لكي يواجه قوات الارتزاق من ليبيين وغير ليبيين، ففاز بالشهادة. تكلمت والدته من الولايات المتحدة فكانت نموذجا نادرا للصبر ورباطة الجأش.. كانت فخورة بشهادة ولدها الذي لم يعثروا على جثمانه الطاهر بعد كي يواروه التراب.

المشاهد المؤثرة يومية.. علم ونشيد استقلال عادا مجددا.. من كان يصدق أن هذا سيحدث بعد أكثر من أربعين عاما من القمع والذلة والقهر... الفرحة بجيل ثار ضد كل ما حسبناه قدراً محتوما... الانتصارات على المرتزقة في معارك غير متكافئة... وجوه الشباب والشيوخ والنساء في ساحات مدن الشرق... ملحمة الزاوية وتحدّي مصراته.

عقود من الزمن مرت على ليبيا تحت سياط دجال دعي. لقد أبدع القذافي في صياغة منظومة تسلط مطلق على كافة جوانب الحياة في ليبيا.. الاقتصاد، التعليم، الثقافة، الرياضة. خنق التنوع في الفكر والسلوك، كان يقرر ما نقرأ وما نشاهد وخطب الجمعة... حتى علاقة العبد بخالقه كانت ميدانا لعبثه. لم يترك شيئا في حياتنا إلا وحاول أن يجعل منه مسرحا لأفكاره وممارساته.  الكلمات التي تصف ما حلّ بالليبيين على مدى اثنين وأربعين عاما لا تخرج عن فئة القمع والسحق والتنكيل والكبت والتشويه والتجهيل. إلا أن الفطرة السوية أثبتت أنها الغالبة فوق كل من يريد أن يمسخ النفس البشرية وأن يشكّل المخلوقات على شاكلته. وقد ظهر هو في النهاية مسخاً. أذكر حديثا ذات مساء على كورنيش طرابلس. قلت للصديق أنني لا أظن نهاية القذافي ستكون من ذات الطبيعة لنهاية الحكام المستبدين كما نعرفها... اعتقدت أن ما يخفيه الغيب لن يكون انقلابا أو اغتيالا... لا بدّ أنه سيكون شيئا خاصا جدا لمستبد من نوع خاص جدا... وأجاب الصديق: ألا ترى كيف أنه قد بدأ التحول إلى مخلوق مسخٍ في شكله وهيئته؟ أليس في ذلك بداية لنهايته؟ كان ذلك منذ أكثر من سنتين. وتمثّل القذافي أمام العالم كله مسخاً بكل ما تعنيه الكلمة في خطابه "زنقة زنقه".. ونزع الله منه الهيبة حتى لدى الأطفال يتغنون "يا بو شفشوفة، الشعب الليبي توا تشوفه".. ويطيل الله في أيامه الأخيرة زيادة في عذابه في الدنيا على أيدي المقهورين من "جرذان وجراثيم وكلاب" اللهم زده على قدر ما يستحق. "فلما عتوا عن أمر ربهم قلنا لهم كونوا قردة خاسئين"....

تابعت محمد أومادي على الحرة.. أجاد الحديث. اعترض على إشارات الإعلام إلى سيطرة النظام على مدينة كذا أو كذا. كان محقا في اعتراضه. ما يحدث هو أنه يقتحم مدنا مستخدما الدبابات والمدفعية والطائرات، ولكنه لا يسيطر عليها. إنه لا يسيطر على الزاوية، ولن يسيطر عليها أبدا. دخل بدباباته وقتل وهدم ومسح بقبور الشهداء الأرض.. خلط ترابها بجثامينهم الطاهرة.. وبقي في الشارع الرئيسي بدباباته. لا يستطيع الدخول إلى شوارعها أو الاختلاط بأهلها. وكذلك اقتحم زوارة الصغيرة الوادعة... بالدبابات. أعلام الاستقلال مرفوعة أيضا على مدن الجبل الغربي.. يستطيع اقتحامها هي الأخرى بدباباته.. ليس أكثر. دباباته لن تعيده إلى حكم ليبيا، سيحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير لكي يسيطر ويحكم مرة أخرى. سيحتاج إلى أن يعود التاريخ إلى ما قبل 17 فبراير. انتهى.. انتهى.. هو وأبناؤه والسّراق من حوله.

أستغرب أن إذاعات العالم لم تلتفت إلى ما يجري في ميدان الشهداء بطرابلس كل ليلة منذ خطابه من سطح السراي الذي ختمه بقوله "افرحوا وارقصوا وامرحوا". يوزعون المشروبات الكحولية والمخدرات والنقود علنا.. علنا.. على من يرتادون ذلك الميدان ويبقون فيه يرقصون ويغنون بأمجاد القائد. إنه حديث طرابلس. وأمامه مستويات أحط لن يتردد في الهبوط إليها... دركه الأسفل لا يخطر ببال.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق