للتواصل

للإتصال وإبداء الملاحظات والتعليقات nstulti@gmail.com

صاحـب البومــــيات: نور الديـن السـيــد الـثــــلــثي


الأحد 27 مارس 2011

(40) اغتصاب


استمر الثوار في التقدم غرباً بسرعة في هذا اليوم حتى وصلوا إلى راس لانوف ثم بن جواد. الهدف التالي سرت. وصول الثوار إلى سرت سيكون حدثا بالغ الأهمية لرمزيته، وسيفت في عضد كل المتخندقين مع القذافي... سيؤثر تأثيرا كبيرا بلا شك في معنويات الكتائب وقيادتها. تم رصد مواكب من المركبات المدنية والعسكرية تخرج من سرت متجهة غربا.. هل هم أهله الأقربون يفرون من معقلهم سرت قبل دخول الثوار؟ ستكون الساحة مفتوحة بعد سرت إلى مصراته، لا يفصل سرت عن مصراته غير تجمعين صغيرين، البويرات وبوقرين ثم تاورغاء. أتمنى ألا يحاول ـ وألا يحتاج ـ ثوار الشرق للتوجه إلى طرابلس... الالتقاء بثوار مصراته أراه الحد الغربي الذي يجب ألا يتجاوزوه، مخافة بروز حساسيات مناطقية يتم استغلالها ضد الثورة. الغرب الطرابلسي كفيل باستئناف ثورته والإجهاز على ما تبقى من النظام دون مساعدة من أحد.
سمعنا دوي الطائرات ـ الصواريخ؟ ـ على ارتفاع منخفض مساء هذا اليوم. قيل في الأخبار أن من بين الأهداف كان معسكر التنكبالي واليرموك. ذكرت الأخبار أنباء غارات على سرت وسبها أيضا.
طوابير البنزين طويلة جدا، والصبر لدى البعض بدأ ينفد. شاهدت عراكا بإحدى المحطات دعا إلى تدخل الشرطة.
وتستمر تفاعلات شكوى إيمان العبيدي أمام الصحافيين الأجانب من اعتداء أفراد من الكتائب عليها. الناطق باسم الحكومة تراجع اليوم عن اتهاماته لها بالسكر والجنون وما هو أكبر... وقال إنه قد أطلق سراحها وأن شكواها رهن التحقيق. الاستخفاف بثقل ادعاءات المرأة والجهل بالبعد الحقيقي للأسرة والقبيلة في مثل هذا الأمر هي التي أدت إلى ردّ الفعل الأولي من ممثلي النظام الليلة الماضية. ومحاولة تصحيح الموقف لا تفيد شيئا، فالضرر قد حدث محليا وعلى المستوى الإعلامي العالمي.
لم أسمع من أحد حتى هذا اليوم أن القصف الجوي قد أدى إلى أضرار في المدنيين أو المنشئات المدنية، بل إن الرواياتن متواترة عن إنذارات تعلن للمتواجدين بكل هدف، عن طريق الدخول إلى شبكات الاتصالات العسكرية، أن الهدف سيتم قصفه خلال مدة زمنية محددة والمطلوب إخلاؤه.
لقد فقد النظام الكثيرين من أعوانه.. لقد انشق الكثيرون ممن رأوه آفلا لا محالة. سمعت ببعض الأسماء ممن هم بالخارج، بالصدفة أو بغيرها، هذا اليوم. وسمعت بمسئولين بارزين منعهم من إعلان الانضمام إلى الثورة وجود أفراد من أسرهم في ليبيا... رهائن لدى النظام.
الإعلام الليبي، مثل قيادته، منفصم تماما عن الواقع. المتابع له لن يصدق أنه إعلام دولة في حالة حرب، وأنها تترنح تحت ضربات مستمرة، وأن دفاعاتها في انهيار سريع، وأن هزيمتها على أيدي شعبها وتحالف الدول الأجنبية أصبحت حقيقة فعلية لا ينقصها سوى تسليم المهزوم بهزيمته. وماذا نرى ونسمع؟ مسيرات تأييد وتحليلات جوفاء وأخبار عن ‘التحام’ الجماهير بقائدها لا تبدو لها نهاية، ومساطيل يجترون هراء سخيفا وممجوجا ليلا ونهارا. والشعب في المقابل يستقي أخبار هزيمة قائده من إذاعات العالم يلهث وراء الخبز من المخابز والوقود من المحطات وأسعار الضروريات ترتفع من دون ضابط... ومرتبات هذا الشهر؟ قد لا تكون هناك مرتبات، لأن السيولة النقدية قد نفدت بعد دفع كل تلك الرشاوى على كتيبات العائلة ومن دون كتيبات. بالأمس أنزل المصرف المركزي إلى السوق كميات من الذهب لسحب بعض النقد... وكانت الطوابير. والجميع فوق كل هذا في انتظار إعلان السقوط العظيم. ولن يطول الانتظار.. فالسقوط واقع، الإعلان عنه فقط هو المؤجل إلى حين يأذن العزيز الحكيم.
تابعت على البي بي سي برنامج نيوزنايت حيث استضاف جيريمي باكستر السيدين عبد الباري عطوان والمفكر الفرنسي برنار هنري ليفي. ليفي قال أنه قد أفزعته تهديدات القذافي الصريحة لسكان بنغازي وما رآه بعينيه فقد كان هناك، لذلك كان تدخله لدى الرئيس ساركوزي بضرورة القيام ببما يجب لمنع حدوث كارثة إنسانية كبرى. السيد عبد الباري كان متحفظا على العمل العسكري الغربي تارةً لأن وراءه أجندة مصالح نفطية وتارةً أخرى بطرحه أسئلة من قبيل "لماذا لم يتم التدخل في غزة؟" و"لماذا ليس في اليمن؟". وافق السيد عطوان على أنه كان من الضروري التدخل لمنع المذبحة، ولكن كان يجب أن يتم ذلك من طرف العرب. ردّ ليفي بالقول بأنه من غير المعقول أن يطلب السيد عطوان الاطلاع على هوية من ينقذ أخاه قبل أن يعطي موافقته على إنقاذه، مضيفاً أنه رأى في سكان بنغازي إخوة له وكان من الواجب إنقاذهم. حجة السيد عطوان كانت بائسة. نعم السيد ليفي، من اسمه يهودي، ونعم قوات التحالف أتت من دول ‘مسيحية’. لماذا يمنعنا هذا من مناقشة القضايا واتخاذ المواقف منها على أساس قواعدها المبدئية والأخلاقية. نحن فاشلون في أدائنا الحواري وجدلنا، حتى فيما بيننا، لأننا لا نحكم العقل والمنطق قدر ما نستند إلى مسلمات لا نقبل فيها نقاشا. تجدنا نستمع إلى الآخر ـ إن استمعنا ـ متحفزين لرفض ما يقوله كان ذلك ما كان. لا نستمع لنمحص ونقبل ما يجب قبوله منطقاً أو عقلاً ونرفض ما يجب أن نرفض بالحجة. وتجدنا نهرب من النقاش حينما تهزمنا حجة الطرف الآخر.. نهرب قائلين "ولماذا ليس غزة، ولماذا ليس اليمن؟" أتمنى أن ينهض جيل يدرس ويناقش ويجادل ويبني المواقف على أساس من المبادئ والقيم التي تحكم المواقف لا تتبدل من قضية إلى أخرى ولا من محاور إلى آخر؛ وأن يستمع لأنه يبحث عن الصواب وعن الحقيقة وليس لأنها "معزة ولو طارت". الغرب له مصالحه وتاريخه الذي نعرف، ولكنه غرب متنوع يغطيه طيف واسع من الألوان يضم المخلص والإنساني والفاضل والأخلاقي، كما يضم الجوانب السيئة التي عانى منها شرقنا على أيديهم منذ حروبهم الصليبية وإلى الآن. العالم أمامنا ليس بالأبيض والأسود وحسب، فهو غني بألوانه. عفا الله شرقنا من عمى الألوان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق