للتواصل

للإتصال وإبداء الملاحظات والتعليقات nstulti@gmail.com

صاحـب البومــــيات: نور الديـن السـيــد الـثــــلــثي


الخميس 10 مارس 2011

(23) ليس لديه رادع

صرح سيف اليوم قائلا "لن نترك بلادنا" وصرح والده من قبله قائلا، بعد قهقهته المعتادة، "فيه حد يترك بلاده"... بلادهم هنا لا تعني الانتماء بل تعني التملك... ليبيا شيء ثمين يمتلكونه، ومن عليها من بشر هم رقيق مملوكون لهم.  من يحب بلاده لا يقتل أهلها ويروّع أطفالها ويدمر مدنها.

قابلت مسؤولا بأحد المكاتب الحكومية لإتمام معاملة هذا اليوم. كان يتحدث في الهاتف ومع بعض المراجعين بشيء من الغِلظة والحدة. وتحدث معي معبرا عن عدم رضاه عن الليبيين وسلوكهم، ثم وجّه غضبه تجاه أولئك المسلحين .. غير الليبيين كما قال... فالليبيون لا يجيدون استعمال كل هذه الأسلحة.. إنهم أجانب .. حسبته يقصد المرتزقة من أفراد الكتائب، وإذا به يقصد ‘الإرهابيين’ الذين يزرعون الفتنة بيننا. هل كان صادقا فيما قاله، أم أنه مخبر أراد استدراجي إلى الحديث، أم كان خائفا؟ كثيرون هم الذين يخشون الانكشاف وكثيرون هم الحريصون على استمرار الانتفاع بمنصب أو علاقات، وكثيرون هم الذين يفضلون الدعة وإن كان الثمن ذلة وكرامة مهدورة.

بالإذاعة التونسية هذا الصباح مناقشة حية ومسؤولة للوضع الليبي، كان التعاطف فيها مع الشعب الليبي كاملا ومن دون تحفظ، والقذافي كان موضع تندّر. تونس 14 يناير مختلفة تماما عما قبلها.

يلفت الانتباه أغاني ثورات هذه الأيام العربية. لقد بعثت من جديد أغاني الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي.. ‘دعاء الشرق’ و‘مصر تتحدث عن نفسها’ و‘فلسطين.. جاوز الظالمون المدى’ هناك قفز فوق نصف قرن لم يخل من الأغاني والأناشيد ولكنها ليست مما تمت استعادته .. فيما عدا تلك الممنوعة في زمانها، وأبرزها أغاني الشيخ إمام. كأني بهذه الثورات تريد طي صفحة نصف قرن من الاستبداد والظلم والقهر والذل والهزائم. تريد عودة الأمل والكرامة ... تريد الانعتاق من ربق الاستبداد.

ما يجري في ليبيا يبيّن بجلاء لماذا استمر هذا الحكم جاثما فوق صدور الليبيين لأكثر من 40 عاما. حقيقة النظام تظهر بالمقارنة برد فعل النظامين في تونس ومصر. كان هناك خط أحمر لم يكن للنظامين هناك أن يتجاوزاه.. كانت هناك حدود للقمع وسفك الدماء.. كانت هناك أسلحة من المستحيل استعمالها ضد الناس العزل.. الدبابات والمدفعية والطائرات. في البلدين جيش نظامي له بناء وقيادة يتدخل أو يُحتكم إليه عندما يصل الصراع إلى نقطة حرجة يمكن أن تودي إلى حرب أهلية أو انشطار أو تدخل أجنبي. لا خطوط حمراء ولا جيشاً نظاميا موجودان في الحالة الليبية. وأيضاً لا أحزاب أو نقابات أو جمعيات مدنية أو شخصيات عامة مستقلة مرموقة.. بل لا نرى مؤتمر الشعب العام واللجان الشعبية. هناك فقط أسرة حاكمة وحدها تملك المال والسلاح.... وشعب أعزل. معادلة لا مثيل لها في هذا القرن. ما يتعرض له الليبيون من قتل بكافة أسلحة ميادين الحرب ومن تدمير لبيوتهم وحصار لمدنهم وقطع للكهرباء والمياه عنهم.. إضافة إلى الاعتقالات والتعذيب وسرقة الجثث وقتل الجرحى؛ كل هذا ربما يعطي تفسيرا وجوابا عن السؤال المحير للمراقب عن: كيف رضي الليبيون بمثل هذا الحكم لكل هذه السنوات.. بالاستبداد والسفاهة والوحشية بقدر يندر مثيله.

لا وجود لرادع من ضمير وأخلاق، ولا رادع من قيم اجتماعية، ولا رادع من قانون ومؤسسات... لا رادع من أي نوع... فلتان مطلق لا كابح له.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق