للتواصل

للإتصال وإبداء الملاحظات والتعليقات nstulti@gmail.com

صاحـب البومــــيات: نور الديـن السـيــد الـثــــلــثي


الثلاثاء 22 فبراير 2011

(7) المجد يتكلم


ذهبت أولا إلى المصرف. كانت صالته الصغيرة مثل علبة مرصوصة بسمك السردين، وقضيت أكثر من ساعة في طابور كي أنهي معاملتي. كانت بداية اليوم في ظاهرها هادئة... أخبار متفرقة عن طريق الهاتف أو الاتصالات القليلة بأقارب ومعارف. يبدو أن المواجهات كانت في مناطق طريق الشط وتاجوراء وبن عاشور وقرقارش... وأن هناك ضحايا. الروايات تقول إن القتل كان من قبل أفراد يركبون سيارات نصف نقل مستعملين الرشاشات وأن الطائرات العمودية ربما تكون قد شاركت... في طريق الشط؟ إشاعات عن مقتل سعيد راشد واثنين من أولاده.

في المساء كانت كلمة القائد التي استمرت أكثر من ساعة تضمنت تكرارا كثيرا. أرشح الجزء الأول من الكلمة نصاً يرجع إليه دارسو جنون العظمة. هو ليبيا وهو الثورة وهو الحرية هو ‘صخرة صماء’... بل هو المجد.. ليبيا وكل شيء آخر نراه، وُلد بعده... ‘بنغازي أنا اللي بنيتها طوبة طوبة’.. وُلدت بعده. الـ "أنا" كانت هناك غطرسة ووهما واستخفافا بجمهور السامعين. وظهرت حقيقة نلك الـ "أنا" في صورة الآخر لديه: جرذان وجراثيم ومتعاطي مخدرات ومقملين وعملاء ومخربين وعملاء وخونة. يرى العالم في أبيض وأسود.  كان الرجل على خط دفاعه الأخير... مهددا متوعدا. إنه ‘لم يستعمل القوة بعد’... ما نوع القوة المتوفرة لديه ولم يستعملها بعد حتى بعد أن فقد السيطرة على نصف البلاد؟  تكلم من مدخل منزله المضروب داخل ثكنة باب العزيزية.. لماذا لم يتوجه إلى محبيه في ميدان الشهداء؟ خاصة وأن الكاميرا بينت عند انتهاء الكلمة أنه ألقاها أمام ما لا يزيد عن 15 شخصاً.. ربما... كان خطابه هذا خطاب الجرذان والجراثيم والكلاب والمقملين وحبوب الهلوسة، أوصاف مجمل الليبيين لديه: من ثار منهم ومن ينتظر. ‘أنا لست رئيساً... لو كنت رئيسا لألقيت باستقالتي في وجوهكم’. لا أجد وصفا يليق برجل يخاطب شعبه بهذا الازدراء والتحقير.. ولكن هل نحن حقيقة شعبه؟

شبه تاريخي قريب هو إمبراطور روما، كاليجولا.... اعتلى عرش روما شاباً في العشرينات من عمره. خفض الضرائب وخلق لنفسه شعبية كبيرة. كانت أعراض جنون العظمة (ميجالومانيا) واضحة عليه في وقت مبكر من تنصيبه. أقام المحاكم ملقياً بتهم الخيانة في كل اتجاه. عاشر أخواته الثلاثة. ماتت إحداهن ونفى الأخران بعد اتهامهما بالتآمر. وصلت به الحال إلى أنه بدأ التعامل مع الآخرين كإله... تأله الرجل. أراد أن ينصب لنفسه تمثالا داخل المعبد اليهودي في القدس. بحث عن أمجاد فخرج في حملات عسكرية. توقّف بجيشه على شاطئ بحر المانش وأمر الجنود بجمع الأصداف البحرية (لا تفسير في التاريخ لذلك)! عاد إلى روما، ومعه ألمان عرضهم كأسرى، مقيما الاحتفالات الكبرى بانتصاراته. واغتيل كاليجولا على يد حراسه، ومعه زوجته وابنته. مات ‘الإله’ في العشرينات من عمره، مخلدا نفسه في تاريخ روما... مجنون العظمة الأول. محظوظة روما، فحكم كاليجولا لم يستمر لأكثر من أربع سنوات.

أعلن مصطفى عبد الجليل على الجزيرة استقالته، واصفا خطاب القذافي هذا المساء برقصة المذبوح. وظهر عبد الفتاح يونس أمين الأمن العام ليعلن استقالته هو الآخر، مكذبا ما جاء في الخطاب ـ محرضاَ للعبيدات ـ من أنه قد ضرب في بنغازي بالرصاص...

وفي ساعة متأخرة ظهر أمين مؤتمر الشعب العام متحدثا عن ‘الشراذمة’ الذين وظفتهم مخابرات الغرب وإسرائيل ... ولم ينس أن يشير إلى حبوب الهلوسة. أعلن عن حزمة قوانين إصلاحية ودستور وانعقاد للمؤتمرات... المناطق التي وقعت تحت سيطرة المخربين سيتم تخليصها قريبا.... اعتقدت حتى هذه الليلة أن الرجل أعقل مما رأيت... أم هو الرعب؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق