للتواصل

للإتصال وإبداء الملاحظات والتعليقات nstulti@gmail.com

صاحـب البومــــيات: نور الديـن السـيــد الـثــــلــثي


الأربعاء 13 يوليه 2011

(148) استراحـة المذعـور


سافرت إلى البيضاء ودرنة. في البيضاء سألت عن الاستراحة... استراحة القذافي، فتمّ توجيهي إلى سيدي رافع حيث سألت عن ’عمارات صفية‘. من هناك كانت الطريق واضحة في اتجاه الحنيّة. دخلت بسيارتي من دون أن يوقفني أحد أو أرى أحداً. أوقفت السيارة حيث ظننت مبنى الاستراحة الرئيسي، وكنت محظوظا بقدوم ثلاثة من شباب المنطقة عرضوا أن أرافقهم في جولة بالمجمع. أحدهم كان قد خبر المكان وقام بدور المرشد.


كانت الاستراحة قد أفرغت من كل محتوياتها وأضرمت في مبانيها النيران. الحوائط تغطيها آثار الدخان ومغطاة بكتابات ورسوم جدارية. ليس معمار المكان مبهرا خارجا عن المألوف من حيث حجمه أو تصميمه. بالطابق الأرضي العديد من الغرف والممرات وحوض سباحة. وتوجهنا إلى أسفل، حيث رحلة عجيبة عبر سردابين تحت الأرض.


سردابان طويلان مظلمان تتخللهما غرف، البعض منها فارغ والبعض الآخر به بقايا معدات كهربائية وميكانيكية مهشمة. شعرت بانخفاض ملموس في الحرارة كلما تقدمنا إلى أسفل. وكانت هناك فواصل من أبواب على بعد أمتار عديدة من بعضها البعض، ربما كانت من الخرسانة المسلحة فهي سميكة جدا وثقيلة جدا. ظهر ضوء من بعيد.. توجهنا نحوه، فإذا هو منْور يرتفع حوالي عشرة أمتار نحو سطح الأرض.. ولم نكمل الرحلة. ذكر أحد الشباب أن أحد سردابا لا يزال مغلقا بباب ضخم لم يعرف أحد بعد إلى أين يؤدي.

المجمع مصمّم لمواجهة متطلبات أمنية غير عادية... متطلبات أمن شاغلي هذه ’الاستراحة‘ كانت في المقام الأول، ومن بعدها كانت وسائل وتجهيزات الراحة والترويح عن النفس. المبنى مصمم لكي يكون شاغله في مأمن من كل ما تصوره خياله، والهروب (إلى أين؟) إذا ما اقتضى الأمر. وهو مجهز بمعدات تهوية وتنقية وأمنٍ من طرازٍ عالٍ.


ويضم الموقع مبنى آخر لاستراحة ابنه سيف، ومبانٍ أخرى للموظفين ورجال الأمن والأصهار. مررت بمكان معدٍّ لتجهيزات الشواء وبضعة غرف وممرات صغيرة منحوتة في الجبل (لطاسة الشاهي ربما!). نزلنا من السيارة لمشاهدة المنظر وراء الموقع، فكان الجبل الأخضر بجماله الساحر.. وادٍ.. المنطقة المعروفة بالوسيطة، ومن ورائها البحر.

هذه الاستراحة صُممت وأُنشئت لغرض راحة صاحبها والترويح عنه، ولكن الغرض الغالب كان طمأنة صاحبها إلى أنه في أمان. ساكن المكان كان يتملكه الخوف قطعاً، فوضع حساباً لكل ممكن وكل شيء... إلا لانتقام عزيز جبار مقتدر، الشك كبير جدا في أنه قد آمن به في يوم من الأيام. والدليل هو أيام ضيقه هذه حيث نتوقعه يلجأ إلى خالقه عله يتوب عليه ويفرج كربته. ولكنه لم يذكر ربه مرة خلال كل ما صدر منه من هذيان، وترك لشيوخ من المرتزقة مهمة التدجيل باسم الدين على الناس من خلال قنواته.


ويبرز سؤال: ما الذي يخفيه باب العزيزية إذا ما كانت هذه احتياطاته الأمنية في البيضاء؟
أما في الأخبار فقد برز تصريح المبعوث الروسي مارجيلوف بأن البغدادي المحمود قد صرح له بأن هناك خطة لنسف مدينة طرابلس نسفا إذا ما دخلها الثوار. هل يستطيع البغدادي إبلاغ روسيا برسالة من هذا النوع لو لم يكن مكلفا بذلك من سيده؟ وهل الغرض هو التهويل والتهديد لا غير؟ ومن جانب آخر لا بد أن ندرك أن معمر القذافي قادر، عقلاً وأخلاقاً، على يدمر كل مدن ليبيا على من فيها انتقاما لخروجهم عنه... وحتى من دون سبب!


الاحتمال قائم لأن يلجأ القذافي إلى عمل جنوني كارثي من هذا القبيل في أي مدينة من مدن ليبيا.. ولكن لا سبيل لعودة الساعة إلى عهد الظلام... في بنغازي، القذافي صفحةٌ سوداء من تاريخ ليبيا تمّ طيها إلى الأبد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق