للتواصل

للإتصال وإبداء الملاحظات والتعليقات nstulti@gmail.com

صاحـب البومــــيات: نور الديـن السـيــد الـثــــلــثي


الخميس 5 مايو 2011

(79) ببغاوات القبائل

اليوم ينعقد اجتماع لجنة الاتصال في روما. تم الاتفاق على آلية للدعم المالي للمجلس الوطني الانتقالي وإنشاء صندوق للغرض. أموال ليبيا المجمدة في مختلف دول العالم قد تتجاوز 120 مليار دولار، والولايات المتحدة في مقدمة الدول التي تبحث في وسيلة لاستخدام جزء منها لدعم المجلس الوطني. في تصريحات لوزير الخارجية الإيطالي ذكر أنه قد يكون بالإمكان التوصل إلى وقف لإطلاق النار في ليبيا خلال ثلاثة أسابيع. إن معدل التقدم الحاصل الآن يجعل من هذا التقدير شيئا مفرطا في التفاؤل. ووقف إطلاق النار بالشروط المرضية لليبيين بعد كل هذه التضحيات لا يمكن أن يكون في الواقع مجرد وقف لإطلاق النار، بل تركيعا للقذافي، بالقبول برحيله وأولاده وسحب كتائبه من المدن. أي شيء أقل من ذلك يجب أن يكون مرفوضا تماما... فهذا الرجل لا أمان له ولا صدق لعهوده ووعوده... شيخ الزنتان وقائد مقاومتها الشيخ محمد المدني كان يتفاوض مع كتائب القذافي منذ يومين عندما أطلقوا عليه النار.. رحم الله الشيخ محمد المدني... إما أن يركع صاغرا أو يرحل عن عالمنا رحيله النهائي.
أزمة البنزين تسوء من يوم إلى يوم، ولا يبدو لها حل. كانت مفارقة أن نشاهد على التلفزيون صهاريج الوقود تعبر بوابة ذهيبة التونسية إلى نالوت والجبل الذي استعصى على القذافي تطويعه، في الوقت الذي تستفحل فيه الأزمة في طرابلس والمناطق التي يسيطر عليها النظام. كان الجبل المتمرد هو المحاصر من قبل القذافي بمنع الوقود عنه إلى جانب الغذاء والدواء وقطع المياه والاتصالات والكهرباء، حتى أيام قليلة مضت. الجبل الغربي متصل عضويا بتونس الآن، ومنقطع تماما عن ليبيا القذافي... باستثناء ما يرسله من قذائف وصواريخ ومسلحين لا يزالون يسطون ليلا على المنازل في يفرن تحديدا كما روى لي صديقٌ اليوم.
انضم إلى جلستنا فكان ساخطا لنقص الوقود. وقال إن الحظر على الوقود ليس جزءا من قرارات مجلس الأمن.. لماذا تعاقب قوات التحالف الليبيين؟ قيل له إن استعمال الوقود لا يقتصر على المواطنين، فهو الذي يسيّر أرتال الكتائب لقصف المدن. ولكن صاحبنا استمر على اعتراضه. كثير من الليبيين لا يبالون ما يحدث للقذافي ويودون أن يروه قد اختفى من حياتهم، ولكنهم لا يريدون أن يدفعوا أي ثمن أو يضحوا بشيء. والقضية الآن ـ بالنسبة لهؤلاء ـ بين القذافي ودول التحالف... هكذا!!!! وهذه كانت المشكلة على مدى اثنين وأربعين عاما، إلى أن خرج جيل رافض جسور أضاء الطريق، مضرجا بالدماء. تتوقع أن يستحي أولئك المتابعون عن بعد في انتظار أن ينتهي الشريط إلى نهاية سعيدة... ومن دون مقابل.
اتصل بي صدبق بعد الواحدة صباحا عارضا تعبئة سيارتي بالبنزين إذا حضرت حالا. ترددت كثيرا ثم توجهت إليه. إنه موظف بإحدى المصالح الحكومية توفرت لديها كمية محدودة من البنزين لتسيير أعمالها. كانت هناك نقطة أمنية واحدة على الطريق. الشوارع كانت مقفرة إلا من تلك الطوابير الطويلة جدا من السيارات والازدحام الشديد مع تواجد كثيف لرجال الأمن عند محطات البنزين نفسها. عبأت خزان سيارتي وعدت إلى بيتي عبر الشوارع الخالية بسلام... مرة أخرى، ولاء موظفي النظام ليس للنظام.
سمعت أن القنفود أذاع الأسبوع الماضي مشاهد لطير ببغاء يردد "الله ومعمر وليبيا وبس"... سبحان الله، القنفود يرى أن في ترديد الببغاء لما يسمعه شيئا عجيبا!
اخترع خيال القائمين على إدارة الأزمة من جانب النظام إطارا أسموه ملتقى شيوخ وأعيان القبائل الليبية، أو قد يكون هذا الملتقى استنساخا لمؤتمرات اللويا جيرقا في أفغانستان. القنفود كان مشغولا معظم اليوم بنقل الحدث. من معالم نهضة البلاد بعد الاستقلال أنها بدأت في التحول التدريجي عن إطار الانتماء القبلي فيما يتعلق بقضايا الشأن العام. لم تعقد قبائل ليبيا مثل هذا المؤتمر خلال المخاض السابق للانتقال إلى الاستقلال سنة 1951. هذه نقلة موغلة في الرجعية، أو محاكاة لنظام لا يتطلع الليبيون إلى تطبيقه في بلادهم. والذين شاهدناهم اليوم لم يكونوا شيوخ قبائل بالمعنى والنفوذ والتأثير المعروف قبل عقود من الزمن. هم في الواقع رجال موالون للقذافي تم اختيارهم من بين عموم قبائل ليبيا، فلا هم شيوخ ذوو تأثير فاعل على القبائل التي ينتمون إليها، ولا هم ممثلون للاتجاهات السياسية المختلفة داخل قبائلهم نفسها. منظرهم كان مثيرا للانتباه. ارتدوا ملابس ليبية بجرود بيضاء يبدو أنها وزعت عليهم بالمناسبة... مكسب من المكاسب! كانوا معلبين في نفس القالب من الجرود البيضاء وجلسوا في صفوف مستقيمة منظمة. الصورة، لولا الملابس، كان يمكن استخراجها من ألبوم تلك الاجتماعات السنوية للأحزاب الشيوعية في أوروبا الشرقية قبل اندثارها. إلا أنه كان هناك شغب في جزء من اللقاء، لم أعرف سببه. وذكرني ‘شيوخ’ هذه القبائل عند ترديدهم لنفس ذلك الشعار السخيف بالببغاء على شاشة القنفود.... هنا يكمن العجب لا في الببغاوات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق