للتواصل

للإتصال وإبداء الملاحظات والتعليقات nstulti@gmail.com

صاحـب البومــــيات: نور الديـن السـيــد الـثــــلــثي


السبت 21 مايو 2011

(95) ما بعد القذافي

بعض المباني التي تم قصفها لم تتهدم، والذي حدث هو أنها احترقت بالكامل من الداخل. هكذا هو حال مبنى الرقابة الشعبية ومبنى الأمن الخارجي.
أسطول التلغيم والالتفاف على الثوار في اجدابيا وحصار مصراته ذهب هباءً. أما رد الفعل فقد كان كأن شيئا لم يحدث.
ديسكو باب العزيزية لا يزال مفتوحا للغناء والرقص وغيرهما، والأغاني والزغاريد تصدح من إذاعات النظام المذمومة. مسيرة التحام بالقائد بميدان الشهداء كان عدد أفرادها خمسة.. خمسة، أحدهم يزعق في الميكروفون، والثاني يحمل صورة للقائد والثالث يحمل يافطة واثنان وقفان في حالة انتباه.. أحدهما غادر المكان بعد لحظات... مسيرة أخرى كانت لقبائل وادي الشاطئ... كان عددهم بضع عشرات لا أكثر. أما القائد نفسه فقد ظهر على التلفزيون يستقبل أحد موظفيه في غرفة صغيرة ذات جدران عارية ربما كانت في شقة سكنية في مكان ما تم الانتقال إليها على عجل..
الجبهة في الشرق هادئة وقصف مصراته خفت حدته فيما يبدو. الكتائب تركز هجماتها وإنزال فظائعها بالمدنيين في الجبل. الجبل الغربي هو الجبهة الساخنة الآن... والكتائب فاشلة عسكريا، وإن كانت ناجحة في إلحاق الضرر والترهيب للسكان بفئاتهم من شيوخ ونساء وأطفال.
الوضع العام في الطريق إلى جمود. أحد المؤشرات هو تراجع الثورة الليبية إلى ذيل نشرات الأخبار، وخلو بعضها من أي ذكر لها. لولا مصراته والجبل لأدى مثل هذا الجمود، إن طال، إلى التقسيم لا محالة. من هنا أهمية الدور الوطني لمصراته والجبل وملاحم البطولة والجهاد التي سيسجلها لهما تاريخ ليبيا. هذا ‘الجمود’ لا يعني نجاحا لنظام القذافي، فقد فقد السيطرة تماما على أكثر من نصف البلاد جغرافيا، وخرج تماما من حسابات الليبيين في مستقبل حياتهم وبلادهم. الغالبية العظمى من الليبيين إما تحرروا من استبداده فعلا أو هم مترقبون لساعة الخلاص في أقرب الأوقات... لم يعد الليبيون يتصورون حياة يهيمن عليها شخصه أو أولاده أو نظامه. القذافي غير قادر على أن يعكس تيارا جارفا سيودي به إلى حيث يستحق في وقت قريب إن شاء الله.
وتبقى الحقيقة التي يجب أن نعترف بها، وهي أن القضية الليبية يحلها الليبيون أنفسهم، بمعنى أنه لا يجوز أن يركنوا إلى غيرهم يخلصهم من ظلم حاكمهم وهم يتفرجون.النصر في النهاية مرهون بنهوض الليبيين في طرابلس نفسها وفي مناطق حولها، تشكل ثقلا سكانيا كبيرا، ظلت إلى الآن متفرجة في أحسن تقدير. تلك حقيقة رغم التضحيات الكبرى والبطولات الأسطورية التي يسجلها التاريخ لشرق البلاد والجبل الغربي ومصراته والزاوية وزواره. وهكذا يجب أن تكتب الفصول الأخيرة لهذه الحقبة السوداء في تاريخ ليبيا، بيد الليبيين أنفسهم لا بيد غيرهم. لن يشرف الليبيين أن يتم إسقاط النظام  وإلقاء القبض على كباره في كاناتيرا أو غيرها من قبل الأجنبي... العالم سيملّ ثورتنا ويتحول إلى شؤونه الأخري الجاري منها والذي سيستجد.
ولا يزال السيناريو الأرجح هو أن ينهدم النظام من داخله ويسقط.. بعد تآكل واستنزاف خطيرين لقدراته المادية وحالته المعنوية.
ظهر ناصر الحسناوي على ليبيا الأحرار متابعا شهادته على النظام من داخل اللجان الثورية، وأذاعت الجزيرة جزءا من لقاء لها مع محمود جبريل. وصف الحسوني كيفية تعامل القذافي مع القبائل، تحالفا في سبيل أمن حكمه أو تفتيتا إذا ما شاب العلاقة معها شك. ووصف العلاقات المتشابكة لأجهزة الأمن العديدة وتغلغلها في المجتمع وتنافسها لإثبات الولاء... خوفا من العواقب إذا ما بدا منها تقصير. شخص مريض أسس شبكة علاقات وولاءات سمتها الغالبة هي انعدام ثقة أحد في أحد وانعدام ثقة القائد فيهم جميعا.. يجمعهم الخوف ويبثون الخوف. محمود جبريل تحدث عن إعداد خطة لإعمار ليبيا بعد رحيل القذافي قدر أنها ستحتاج لأكثر من 400 مليار دولار وخطة أخرى للتأهيل الاجتماعي والمصالحة بعد الشروخ التي أحثها النظام خلال أكثر من أربعين عاما من الحكم المطلق. إعادة الإعمار المادي ستكون المهمة الأسهل، وحسنا فعل المجلس أنه قد بدأ من الآن الإعداد لإصلاح ما أصاب المجتمع الليبي من شروخ وأمراض وتحقيق مصالحة وطنية تزيح جانباً الأضغان والأحقاد ودواعي الانتقام والإقصاء. المهمة الثانية ستكون الأصعب منالا.
عادت الطائرات للتحليق لمدة قصيرة هذا المساء من دون أن نسمع قصفا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق