للتواصل

للإتصال وإبداء الملاحظات والتعليقات nstulti@gmail.com

صاحـب البومــــيات: نور الديـن السـيــد الـثــــلــثي


الإثنين 2 مايو 2011

(76) موت وموت

خبر الصباح الأول والثاني والعاشر لهذا اليوم ومنذ ساعات الصباح الأولى كان مقتل أسامة بن لادن. المحطة الوحيدة التي لم تهتم بالخبر بنفس القدر كانت القنفود. في ليبيا كان هناك ‘مقتل’ شخص أو أشخاص آخرين وتشييع جنازتهم اليوم... سيف العرب والأحفاد. الجنازة كانت فوضوية وصغيرة لمثل هذا الحدث... والقذافي نفسه لم يكن هناك.
ابن لادن كانت له فلسفة ورؤية قد نختلف معها اختلافا حادا، ولكن منطلقاتها وأهدافها تبقى في نطاق عقيدة مجتمعه؛ لم يخرج عنها. القذافي في المقابل صاحب أجندة شخصية لا تستند إلى خلق أو مبدأ أو هدف يُقصد به الخير لمجتمعه. قام بعملية سطو كبرى، ثم وظف الشعارات والعواطف ولم يتردد في قتل شعبه فرادى وجماعات إلى أن أصبحت سلطته مطلقة وشرع في تأسيس دولة الأسرة القذافية في ليبيا. الأول قد يكون أخطأ السبيل، أما الثاني فقد أجرم يقينا ولا يستحق احتراما ولا استرحاما.
الولايات المتحدة تعلن أن الأمر من الرئيس كان بالقتل. بالقتل؟ صراحةً؟ خرجت حشود من الناس في نيويورك وغيرها من المدن الأمريكية محتفلة بالانتصار... بانتصار القوة العظمى على شخص فرد من دون دولة أو جيش؟ كان احتفالا بالموت في وقت كان بالإمكان القبض عليه ومحاكمته. العامة من الناس هم العامة من الناس أينما كانوا. بالأمس احتفل ليبيون بموت ابن القذافي... إن كان قد مات.
تركيا أعلنت عن غلق سفارتها بطرابلس. أرى أن في ذلك مغزى، وله معنى سيظهر فيما بعد. تركيا بدأت تنأى بنفسها عن نظام القذافي، وهي ربما ستكون من المشاركين في عمل عسكري ما سيغضب القذافي.
سمعنا أصوات الطائرات في الصباح وفي المساء. لم نسمع أصوات انفجارات. يظهر أن الضربات على الكتائب في محيط مصراته كانت شديدة اليوم، حتى أن قصفها للميناء توقف. الطائرات قامت بقصف الكتائب في محيط الزنتان أيضا.
القنفود يعيد مقطعا يمتد لبضعة ثوان للمذيع غسان بن جدو يقول فيه إنه ترك الجزيرة لأنها أصبحت تمارس دورا تحريضيا. ليس في رواية القنفود سياق أو صورة متكاملة عن أسباب وظروف ترك بن جدو للجزيرة. لو كان الأمر كذلك ما كان القنفود قنفودا. كان القنفود وضيفه اليومي سعيدا جدا بهذه اللقطة، وهو في أمس الحاجة لأي شيء يساعده في مهمته الصعبة والتي يمارسها محرضا بحيَل لا يعرف غيرها.. كذب ودجل ومشاهد من السحر والشعوذة. أما بن جدو فهو مذيع مميز ومحترم، وموقفه الأخير من الجزيرة لا بد وأن يقابل بالاحترام... بالفعل هو على حق فالجزيرة تلعب دورا تحريضيا. ولكن ما هو الترويج والتزيين والتوعية التي سنتفق على أنها مهام يقوم الإعلام بكل أشكاله وفي كل مكان. ستختلف وسائل الإعلام في أهدافها وفي وسائلها والسلوكيات التي تلتزم بها، ولكن مهامها في النهاية هي التوعية والترويج لفكرلأفكار أو مصالح معينة. للجزيرة رؤية ورسالة ولأصحابها أهدافهم ومصالحهم. ذلك كله لا شك فيه ولا عيب. فما الجديد؟ الجزيرة لم تكن محايدة في تغطيتها لغزو العراق ورسائل أحمد منصور من الفلوجة خير دليل، ولم تكن محايدة في تغطيتها لغزو إسرائيل للبنان وغسان بن جدو نفسه خير شاهد. الجزيرة لم تواكب الثورة التونسية مواكبة فاعلة إلا بعد أن تصاعد زخمها واتضح ما قد يكون عليه دورها كشرارة قد توقد ثورة عربية كبرى. وواكبت الجزيرة الثورات العربية في مصر وليبيا واليمن وسوريا بنفس الوتيرة العالية.. وإن يؤخذ عليها تقصير واضح تجاه ثورة البحرين، فقد كانت للمصالح الغلبة للأسف. نعم الجزيرة كانت مشاركا في صنع كل تلك الأحداث. وأرى أنه من غير المرغوب فيه ولا من الممكن أن تكون وسيلة إعلام ما محايدة بلا طعم ولا لون. للجزيرة لون وطعم عروبيان، وللجزيرة دور بارز في تغيرات كبرى جارية في الوطن العربي تنهي ـ نأمل ـ عقودا طويلة من الاستبداد والقهر والذل... ومن التخلف وسخرية العالم من أمة تأبى أن تفتك زمام أمورها من جلاديها. دين الجزيرة بتحريضها هذا كبير جدا.
بدأت الشركات والمؤسسات بتقليص عدد أيام العمل لموظفيها باستثناء أعداد محدودة منهم من ستة أيام في الأسبوع  إلى ثلاثة. شركات الاتصالات مثال على ذلك. السبب يعود إلى النقص الحاد في البنزين... قريبا ستتوقف العجلة تماما... وستكون الشوارع مقفرة من السيارات. وعدني صديق منذ يومين بجالون بنزين بسعر قد يصل إلى 80 دينارا. سألته من أين تكون ‘واسطته’، فقال من الكتائب... يجاهدون على جبهات عدة! حدود السجن عمليا إلى الآن هي حدود المدينة. وغدا ستتقلص هذه الحدود إلى المدى الذي يستطيع أن يمشيه شخص على رجليه إذا لم تكن عنده دراجة هوائية. والدراجات ارتفع سعرها هي كذلك.
حدود سجن طرابلس ليست في الواقع بمساحة المدينة. إنها لا تكاد تتجاوز القفص الصدري. إنه جو خانق ليس فقط من جانب التعبير، فذلك ما تدربنا عليه وتعودناه وسئمناه على مدى أربعين عاما. في طرابلس يعيش الفرد في خوف من أن يوقفك أحدهم في الشارع ليفتش المقاطع الصوتية والمرئية والرسائل المخزنة على هاتفك النقال، أو قد يفاجئك أحدهم ليجد راديو السيارة مضبوطا على إذاعة مصراته أو بنغازي. لا تكاد تستطيع التحدث مع غريب خشية رد فعله إن كنت ‘شرقاوي’. تخشى المشبوهين من جيرانك أن يبيعوك بفرية مقابل دراهم. قد يُطلب منك عمل ما مثل أن تتوجه إلى منطقة ما ضمن وفد مصالحة أو إلى جبهة من جبهات المعارك لتواجه أهلك. قد يطلبون من منك ضمن كافة زملائك من الموظفين أن تستقل حافلة تذهب بك إلى ملتقى أو مسيرة أو... يعيش الناس تحت هاجس أن يأتي زوار بعد منتصف الليل إما بحثا عن شخص لاقتياده إلى جهة ولزمن غير معلومين أو بحثا عن غنيمةٍ من مقتنيات الأسرة. كل هذا حدث ويحدث. ويبقى إيماننا بقدر الله وبأن ما فيه هو الخير مثبتا لنا بالصبر والتفاؤل بما هو آت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق