للتواصل

للإتصال وإبداء الملاحظات والتعليقات nstulti@gmail.com

صاحـب البومــــيات: نور الديـن السـيــد الـثــــلــثي


الأحد 1 مايو 2011

(75) أعجوبتان في يومين متتاليين

مررت كالعادة على قنوات التلفزيون المعتادة قبل أن أتوجه إلى النوم، وإذا بخبر مفاده أن أحد أبناء القذافي قد قتل في غارة الليلة الماضية ومعه ثلاثة من أحفاد معمر. ثلاثة من أحفاد معمر دفعة واحدة، وكانوا في بيت عمهم أو خالهم الأعزب وبحضور أب الأسرة وأمها. القذافي الأب نجا بأعجوبة. ماذا كانوا يفعلون؟ سهرة؟ عيد ميلاد أحد الأحفاد؟ في هذا الوقت؟ والرجل يعرف أنه مستهدف؟ معالم الفبركة واضحة.. والكذب خلقهم الذي يستطيعون منه فكاكا... سيف العرب قتل؟ ربما.. ولكن ليس أكثر من ذلك.
يوم أمس ادعوا نجاة أخرى بأعجوبة حين قصفت الإذاعة أثناء توجيهه كلمة منها. الكلمة كانت مسجلة بكل تأكيد، وهو لا يتوجه إلى استوديو الإذاعة لتسجيل كلماته. ولكنه مرّر كذبته، فقد كانت الإذاعات تكرر نفس الخبر نقلا عن القنفود الليبي بدون تدقيق أو لفت انتباه إلى احتمال عدم دقة الخبر. وكذلك كان الحال بالنسبة لنجاته من الغارة على منزل ابنه... بأعجوبة أخرى.
بلاد في حالة حرب، أراضيها مقطعة الأوصال، يجري دكّ مواقعها الحيوية يوميا، رأس نظامها مطلوب، ‘يُقتل أحد أبناء رئيسها وثلاثة من أحفاده’ في غارة جوية. الطبيعي أن يعم الغضب مدنها وأن يخرج الشعب ملتفا حول زعيمه منددا بالعدوان ومتحديا له. ظننت أن فيما سأجد بالشارع هذا اليوم استفتاءً عفويا حول شعبية الزعيم، بل وشرعية وجوده على رأس الدولة. مررت بشوارع المدينة فلم أجد شيئا من ذلك القبيل. الحياة والحركة على الطبيعة التي ألفناها منذ فترة. مبني السفارة الإيطالية يغطيه سواد دخان حريق أضرمته ‘الجماهير الغاضبة’ بليل، فيه وفي مباني سفارات غربية أخرى، ولا شيء غير ذلك. أي تقريب لنسبة الولاء كما يتضح من مثل هذا ‘الاستفتاء’ ستكون أقرب إلى الصفر من أي رقم آخر. سكان بنغازي خرجوا محتفلين. وددت أنهم لم يخرجوا. كلمة مصطفى عبد الجليل كانت متزنة ومحترمة.
غياب خبر ما يكون في أهمية حدوثه أحيانا، ولكنه لا يجذب نفس الدرجة من الاهتمام. القذافي طلب من روسيا أن تدعو إلى جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لبحث تجاوزات التحالف في تنفيذ القرار 1973. ولم يحدث شيء. القذافي طلب أيضا اجتماع قمة طارئا للاتحاد الإفريقي لبحث الأزمة الليبية. ومرة أخرى لم يحدث شيء. وكانت هناك توقعات بموجة من تنديد معسكر الأصدقاء بغارة الليلة الماضية التي استهدفت ’القذافي وأسرته’. ولم نسمع بغير روسيا وتشافيز يندد بمحاولة اغتيال ‘صديقه’. الرجل بدأ يفقد أصدقاءه... لأنهم بدؤوا يفقدون الأمل في بقائه.
هو فنان ومعماري. زرته اليوم في مسكنه المتواضع. كفاءة عالية في ميدانه ولكنه محترم لم يتملق ولم يتسلق حيث كان بإمكانه أن يصل. أطلعني على مجموعة كبيرة من الرسوم المائية يعكس فيها مشاهداته عن الحياة في المدينة هذه الأيام. كأني به يكتب يومياته. استعدت صورة زميل مهنة من زملائه، مستواه العلمي متدنٍّ جدا، ولكنه ‘ما قصّر’ أبدا طيلة دراسته بالجامعة وفي إحياء 7 إبريل كل عام وحضور الملتقيات إياها وغير ذلك من النشاطات الملازمة لعضوية اللجان وفرص الوثوب إلى المناصب ‘النافعة’. وهكذا كان.
القلق يزداد مما قد يكون مقبلا من أحداث في طرابلس، وخاصة فيما يتعلق بـ ‘الشراقة’. تم لفت نظري إلى حملة تحريض مكشوفة على إحدى القنوات يديرها كل ليلة نفس ذلك المذيع الذي خرج على الناس مرة مشهراً بندقية؟ كثيرون تركوا المدينة. أعرف عددا منهم. هل نرحل بجميع أفراد الأسرة إلى تونس قبل أن يجيء يوم تُقفل فيه الحدود؟ وماذا عن المنازل والمقتنيات؟ إضافة إلى أنه لا يمكن لأحد تقدير كم من الزمن سيستغرق هذا المخاض. تفكيري في الرحيل الآن جدي، وما سيترتب على أي قرار سيكون كبيرا. أميل إلى تشجيع الأبناء على الرحيل أولا... لا أدري. نظام دموي إجرامي سيفعل في أيامه الأخيرة أي شيء.
                     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق