للتواصل

للإتصال وإبداء الملاحظات والتعليقات nstulti@gmail.com

صاحـب البومــــيات: نور الديـن السـيــد الـثــــلــثي


الإثنين 11 إبريل 2011

(55) بالكاناتيرا

وصل وفد الاتحاد الإفريقي إلى بنغازي بعد أن ‘حصل على’ موافقة القذافي عليها يوم أمس. قوبل الوفد برفض شعبي في الشارع ورفض رسمي من المجلس. الرفض الذي أعلنه السيد عبد الجليل في مؤتمر صحفي استند إلى أن المبادرة تعود إلى 10 مارس حين تم طرحها أول مرة.. تجاوزها الزمن، وإلى أنها لا تتضمن رحيل القذافي وأولاده. كان أداء السيد عبد الجليل جيدا.. واثقا ويوحي بالثقة.
ملحمة مصراته مستمرة.. رمت الكتائب بحممها اليوم على مصنع الحديد والصلب.
أنباء تدور في المدينة مفادها أن الشباب يقومون بعمليات ليلية ضد نقاط الأمن. شوهدت كتابات مضادة للنظام بشارع بن عاشور. لم أشاهدها، ولكن يروى أن الشباب يطلقون بالونات مرسوم عليها علم الاستقلال.
القوات الخاصة الفرنسية ألقت فيها القبض على جبابجو ساحل العاج... الرجل لا يريد أن يرحل. ظهر على شاشات التلفزيون في كاناتيرا. الكاناتيرا واجد على أمثاله.
الإنترنت مقطوعة منذ حوالي شهر ونصف الآن. الإنترنت تعني العمل أو الإغلاق فقد أصبحت أداة لا يستغني عنها أي نشاط اقتصادي. والإنترنت وسيلة اتصال وثقافة وتعليم وإعلام وترفيه وتواصل وقناةٌ لتقديم الخدمات الحكومية. هكذا تقرر أن تُغلق.. بكل سهولة. ولا أتقع عودتها قبل الرحيل. في الأوقات العادية كانت مثل هذه الأمور تخضع لمزاج القائد واحتياجاته. عندما تصدر أوامر، شفهية طبعاً، على سبيل المثال، بعدم التحويل وفتح الاعتمادات المصرفية لدولة ما أو قطع الاتصالات معها، كان الأمر يستمر إلى أن يتذكر هو أو يحتاج، لأن أحداً لا يجرؤ على السؤال حتى بعد زوال السبب.
عالمنا العربي لم يعرف كيف يتعامل مع أدوات العصر بعد، بل إنه لا يعرف كيف يتصرف إزاءها. عندما بدأ تسويق الحواسيب أول مرة في ليبيا كان على المشتري أن يحصل على ‘موافقة أمنية’. الأنظمة تخاف الجديد وتتخذ منه موقفا عدائيا تلقائيا، إلى أن يجتاح الجديد كل ممانعة أمامه ويفرض نفسه. حصل الشيء نفسه مع استقبال القنوات الفضائية، حتى أنه جرت محاولة لجمعها من فوق الأسطح.. بيت بيت، دار دار، زنقة زنقه! ولم تنجح المحاولة. الكهرباء والراديو والهاتف والطباعة كانت أسعد حظاً، فقد دخلت البلاد أيام الطليان. العامل المشترك في الحرب على هذه المنتجات هو حجب الحقيقة ومنع الاتصال بين الناس ما يعرقل تكوّن رأي عام متنور وتوجهاتٍ جمعيةٍ إزاء قضايا وطنية، ونشوء الجمعيات والتنظيمات. وهنا تكمن مشكلة الأنظمة الحاكمة في منطقتنا، فهي تخاف ظهور الحقيقة ولا تستطيع التعايش مع جماعات واعية قادرة على الالتفاف حول فكرة أو الانضمام في تنظيم يروج لقيمةٍ أو مدرسة فنية أو علمية أو لنشاط اجتماعي أو يناضل بوسائل مفتوحة وبالحجة والشرح في سبيل قضية اجتماعية أو طنية أو قومية. باختصار، مشكلة النظام هي مع الحقيقة، وعندما تنكشف الحقيقة نراه يهاجم وسائل نشرها.. ‘العدو’ الذي أثار الشعوب العربية في عصرنا هذا من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى اليمن وسوريا هو الفضائيات والإنترنت. من دونهما كان حجب الحقيقة وترويج الأكاذيب أيسر. كان قذافي ليبيا سعيدا مطمئنا في السبعينيات والثمانينيات.. لا وجود لشيء اسمه الإنترنت ولا وجود لغير قناته التلفزيونية ـ مع استثاءات غير مؤثرة في فصل الصيف ـ يبث عن طريقها كل ما يشاء من أكاذيب وترهات ومشاهد الشنق والغوغاء يرعبون المواطنين ويعدونهم بالويل والثبور إذا لم ينضبطوا في صفوف الطاعة. واستمر تأثير ذلك الزمن الرديء إلى يومنا هذا، فقد ساهم بدرجة كبيرة في تشكيل علاقة المواطن بحاكمه وكاتم أنفاسه، وفي تسطيح الفكر وخنق كل صوت حر. القائد يسعى إلى تشكيل شعب بأكمله على صورته؛ أليس إلهاً؟ يُلغى الجميع فكراً وإرادةً وأحلاماً. القذافي لا يصدق ما يجري اليوم.. إنه في حالة إنكار، وستستمر حالته هذه إلى أن يلقى نهايته في كاناتيرا أو من دونها. الحقيقة عدوه منذ اليوم الأول. ولكن الشمس تبزغ من جديد وإن ظن البعض بأنها لن تشرق أبداً.... ومرحبا بالشمس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق