للتواصل

للإتصال وإبداء الملاحظات والتعليقات nstulti@gmail.com

صاحـب البومــــيات: نور الديـن السـيــد الـثــــلــثي


الثلاثاء 20 سبتمبر 2011

(216) من فبراير إلى سبتمبر
جاء سبتمبر ليجد الليبيون ذلك البرج الحديدي المتطاول على المدينة وعلى الليبيين والوطن كله لا يزال قائماً في ميدان الشهداء، وقد نزعت عنه ثورة فبراير وظيفته التي أقيم من أجلها. لقد أقيم البرج العملاق ليحمل صورة ’القائد‘ بمناسبة العيد 42 لــ ’الفاتح العظيم‘. وظيفة هذا البرج هي نفس وظيفة كل شيء وكل مواطن في ليبيا على مدى 42 عاماً، ألا وهي تمجيد ’القائد‘. ولكن جاء فبراير ليفسد على القائد عيده... معليشي...!

وجاء سبتمبر ليشهد ولادةً ثانية لليبيا المستقلة، وفي نفس المحفل الدولي: منظمة الأمم المتحدة التي بها أعيد رفعُ علم ليبيا بهلاله ونجمته، واستُقبل رئيس المجلس الوطني الانتقالي هذا اليوم. احتفى المجتمع الدولي اليوم بثورة ليبيا وعبّر عن الإعجاب والإكبار لثورةٍ ما كان أحد يظنها تنجح في وجه قوّة هوجاء لم تجد رادعاً أبداً من شرعٍ أو أخلاق. في المناسبة الأولى قطف الليبيون ثمار جهادهم ضدّ استعمار إيطالي فاشستي غاشم وتحالفهم مع "الحلفاء" وقتها، وفي الثانية هم على عتبة تحرّرٍ ثانٍ من تسلط واحد من بينهم هذه المرة، أمعن فيهم قتلا وتشريدا وإفقاراً وتجهيلاً، مستعينين بنفس الحلفاء.

ولم تصل ليبيا إلى برّ الأمان بعد. لقد هزم الثوار الآلة القمعية الجهنمية لذلك النظام الهمجي المتخلف ــــ وإن بقيت له بؤر موالية قليلة ــــ ولكن أسس الدولة الليبية الديموقراطية الحديثة لم تُنشأ بعد. لا زلنا في مرحلة استكمال التحرير وتضميد الجراح وإعادة الحقوق لأصحابها والمصالحة الوطنية وإعادة الأمن وإعادة عجلة الاقتصاد الوطني للدوران.. والقائمة تطول. وهناك بطبيعة الحال استحقاقات إنشاء الدولة الحديثة، بدستورها وسلطاتها التنفيدية والتشريعية والقضائية وهيئات مجتمعها المدني الجديدة.

قائمة التحديات على الطريق إلى الدولة الليبية الحديثة طويلة وثقيلة، ولكن بعضنا ـــ سامحه الله ـــ يضيف إلى ذلك الثقل ثقلاً. نحن الآن أمام بداية ’منافسات‘ مناطقية قد تفلت من عقالها ما لم يستطع العقلاء كبح جماح تعصب أعمى علا صوته في الآونة الأخيرة، ومحاولات إقصاءٍ أو تهميشٍ لفئات من الليبيين على أساسٍ من انتماءاتهم لمدن أو مناطق أو قبائل بعينها. ليست ثورةً تلك التي تستبدل أفراداً بأفراد أو قبيلةً بقبيلة أو فئة بفئة، مبقيةً على نفس قيَــم ومنطلقات وسلوكيات النظام الذي اقتلعته. دم الشهداء سيكون قد ضاع هباءً لو حدث ذلك لا سمح الله.

وتعلو في الشارع وأجهزة الإعلام أصوات مؤيدين ومعارضين لهذا أو ذاك. ذلك تطور صحي ولا خوف منه. الخوف الحقيقي يكمن في وجود السلاح ظهيراً لبعض تلك الأصوات. المواطن لا يعرف على وجه يقارب الدقة حقيقةَ وضع الكتائب والسرايا والمجالس العسكرية وعلاقاتها بالمجلس الوطني الانتقالي والجماعات المحلية أو التجمعات السياسية التي بدأت تتشكّل.

المجلس الوطني يبدو أنه لا يمتلك أكثر من حسن النوايا من حوله ومن داخله.. حكومته أقرب إلى العجز منها إلى الفعل في الشأن الداخلي.. وجيشه الوطني قد لا يكون في حقيقته أكثر من فصيل مسلح بين فصائل عديدة ربما تفوقه عددا وعدة، وتدير شؤونها وعملياتها بمعزل عنه. استعمال القوة والعنف في الدولة الحديثة حكرٌ على الدولة نفسها... وهكذا يجب أن يكون.

سبتمبر شاهدٌ على أن نظام الطاغية قد ولّى، ولم يعد له وجود أو مستقبل داخل ليبيا أو خارجها... ولكن تبقى مخاوف ندعو الله أن تتبدّد بفضل وعي وتضافر جهود كل الليبيين أحراراً كراماً متساوين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق