للتواصل

للإتصال وإبداء الملاحظات والتعليقات nstulti@gmail.com

صاحـب البومــــيات: نور الديـن السـيــد الـثــــلــثي


الأحد 4 سبتمبر 2011

(200) إلــى طرابلــــس

صاحب اليوميات: نورالدين السيد الثـلثي

وصلنا إلى راس اجدير عند الساعة 6.30 صباحا. لم تكن أمامنا غير سيارتين اثنتين تقلان عائلتين ليبيتين. إجراءات الدخول كانت سريعة ومن دون تعقيد أو تحرٍّ. الشباب المسلحون كانوا في غاية التهذيب وحسن الاستقبال... ومع ابتسامات عريضة لم نكن نراها في الوجوه طيلة تلك السنوات البائسة. إلا أن بعض المسلحين الذين بدأنا نقابلهم في النقاط الأمنية كانوا صغار سنٍّ إلى درجة اثارت شيئا من عدم الاطمئنان.

المثير للانتباه كان عدد السيارات المتوجهة إلى تونس. كانت الطريق إلى تونس مزدحمة جدا. شرح السائق أن الأمر يعود إلى صعوبة المعيشة في طرابلس وارتفاع الأسعار فيها! .. كيلو الطماطم 5 دينار.. اللحم 24 دينار.. أسطوانة الغاز 350 دينار.. كما قال. أشك في أن يكون ذلك هو السبب.

لقد طغى شعور الفخر بالشباب الثائر والفرحة بالتخلص من ذلك النظام العابث الفاسد على كل ما عداه. والليبيون الذين اقتلعوا حكم القذافي سينجحون بعون الله في بناء وطن العزة والكرامة.

شعرت بالأمان في كل تجوالي بالمدينة. وفي المساء كان هناك جوٌٍّ احتفالي عارم، مع ازدحام شديد لحركة السيارات في الشوارع الرئيسية المؤدية إلى وسط المدينة.

طوابير السيارات لا تزال طويلة في انتظار دورها للتعبئة بالبنزين، ولكن الملفت حقا كان الهدوء والانضباط داخل المحطات نفسها، مكان الهرج والشجار وإطلاق الرصاص التي كانت تمثل مشهدا معتادا بالمحطات قبل مغادرتي للمدينة... غاب رجال الكتائب وأمن النظام... غاب النظام نفسه، فتغير الكثير.

الفرحة عارمة من جهة، والحزن والغضب أيضا من جهة أخرى، على من استشهدوا وعُذّبوا على يد أجهزة النظام. سمعت تفاصيل تقشعر لها الأبدان تصف ما تعرض له المعتقلون من تعذيب وتقتيل. وهنا أعود إلى شهداء الحاويات في معسكر عمالٍ صينيين بالخمس. أحد الناجين روى كيف أن الحراس كانوا يردون على استغاثات المحبوسين داخل الحاويات بوصفهم بـــ ’الجرذان‘، وكيف استمروا في الامتناع عن إغاثة المستغيثين وهم يتساقطون موتى خنقاً الواحد تلو الآخر. كان قد مات منهم تسعة عشر عندما وصل آمر مجموعة الحرس الذي كان قد أعطى التعليمات بعدم فتح الحاويات قبل عودته... عاد بعد ثلاتة أيام ليجد نفسه أمام تسعة عشر شهيدا. يقول المعتقل الناجي أن ذلك الضابط دخل غرفته في تلك الليلة ليجودوه في اليوم التالي وقد مات مخمورا.. عُلم بعد ذلك أنه قد أصيب بانفجار في الدماغ... مخموراً. هكذا هي نهاية الظّلَمة.
ولا يزال آلاف المعتقلين غائبين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق